29 - 06 - 2024

إيقاع مختلف| فانوس البهجة ومصيدة الحنين

إيقاع مختلف| فانوس البهجة ومصيدة الحنين

كَانَ الطِّفلُ يَجُولُ هُنَاكْ

بَينَ الأَنجُمِ وَالأَفلاكْ

فَانُوسُ البَهجَةِ يُرشِدُهُ

والصَّوتُ المُبهِجُ يُسعِدُهُ

يُغمِضُ عَينَيهِ، يُخَايِلُهُ

عَلَمٌ وَهِلالٌ ومَلاكْ

كَانَ الطِّفلُ هُناكَ يَدُورْ

يَصعَدُ بِالقَلبِ المَسحُورْ

فَيَرَى قَريَتَهُ سَابِحَةً

تَذهَبُ غَادِيَةً رَائِحَةً

فِى الصَّومِ تُسَبِّحُ خَالِقَهَا

تَتَفَجَّرُ أَنهَارُ النُّورْ

يَا طِفلاً يَبتَكِرُ البَهجَةْ

تَتَبَرعَمُ أَزهَارُ المُهجَةْ

قَدْ جَعَلَالشَّهرَ حَدِيقَتَهُ

صُوفِياً صَاغَ طَرِيقَتَهُ

مَوجَاتِ جَلالٍ عَابِرَةً

المَوجَةُ تَتبَعُهَا مَوجَةْ

إنها صورة جميلة محلقة تلك التى تخايل أذهاننا جميعاً حول طفولتنا الرمضانية، أو رمضاننا الطفلى، وأنا لا أريد أن أفسد بهجة حنيننا إلى الأيام الجميلة فى حياتنا عامة وفى شهرنا الكريم بصفة خاصة، ولكن حرصاً على ألا يتحول الحنين إلى مصيدة مكبلة، فإنى أبادر إلى طرح مجموعة من الأسئلة: لماذا كلما بحثنا عن لحظات البهجة، اتجهت أعيننا صوب الطفولة، وذكرياتها، وأيامها، وأحلامها، وخيالها اللامحدود؟

ما الذى يعنيه أن نولى وجوهنا شطر الطفل الذى كان، والزمن الذى مضى، والأيام التى انقضت؟

هل عقمت أيامنا الحالية عن أن تمنحنا هذه البهجة، فذهبنا نبحث عنها فى طيات ذكرى هنا أو ذكرى هناك، وكأننا نعتصر ليمونة الأيام كى تجود علينا بقطرات مختزنة من الطعم والمعنى والإحساس الجميل؟

متى سوف نستبدل بهذا الحنين الظامىء توقاً واثقاً وأملاً طامحا يجعلنا ننظر إلى المستقبل وأعيننا فى عينيه؟

نعم، أيامنا الماضية تحمل بعضاً من ذواتنا، لذلك فحنيننا إليها لا يخلو من حنين إلى الذات، لكن الاستغراق فى هذا الحنين لا يمكن أن يساعدنا على أن نمنح أيامنا ما تستحق من قيمة، بما يجعلها هى تتحول إلى ذكريات طيبة فى حياة أبنائنا، فضلاً عن أنه يمثل تقصيراً معيباً فى حق مستقبلنا.

وإذا ما التفت إلى ساحة الإبداع الفكرى والفنى والإنسانى بصفة عامة، فإنك سوف ترى صوراً كثيرة من صور الانكفاء على الماضى، فهناك معارك ماضية مازالت مشتعلة إلى اليوم، وهناك محاولة لاجترار الإبداع الماضى مرة على سبيل الاستلهام ومرات على سبيل التشويه، فأنت من ناحية سوف تجد الناس منقسمين فرقاً، كل فريق ينحاز إلى شخصية أو موقف ماضاوى وينبرى للدفاع عنه، وأنت من ناحية أخرى سوف تجد أسماء الأعمال الشهيرة فى إبداعنا يعاد استخدامها استلهاماً أو تشويهاً، بما ينبىء عن لون من ألوان الإفلاس الحقيقى، وفى أحسن الأحوال اعتصار الليمونة أملاً فى تلك القطرات المختزنة من المعنى والقيمة والإحساس.

من المسؤول عن هذا الالتفات إلى الماضى والاستغراق فيه، نحن الذين لم نمنح أيامنا ما تستحق؟ أم أيامنا التى لا تمنحنا نحن ما نستحق؟
----------------------
بقلم: السيد حسن 


مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان